لعدة أسباب تتصدرها الحرب.. صحة اليمنيين في حالة مزرية
لعدة أسباب تتصدرها الحرب.. صحة اليمنيين في حالة مزرية
أزمات متتالية ضربت الحياة اليمنية في مقتل، بسبب الحرب التي اندلعت في عام 2014، خاصة في مجال الصحة، ما تسبب في انتشار الكثير من الأمراض والأوبئة، وتكرار كوارث صحية أدخلت المواطنين في فصول من المعاناة، بين أنين وآلام الأمراض، وصعوبة توفير الأدوية التي تضاعفت أسعارها بشكل جنوني وصل إلى 300%، مقارنة بما كانت عليه قبل اندلاع الحرب، نتيجة لسيطرة مليشيا الحوثي على سوق الدواء هناك.
بسبب هذه الأمراض المنتشرة بين أبناء الشعب اليمني، يحتاج حوالي 22 مليون إنسان للرعاية الصحية المستعجلة، معظمهم من النساء والأطفال، يزيد الأمر خطورة نقص الدواء وتهدم المستشفيات، وندرة الكوادر الطبية.
أرقام مفجعة
بينما ينهار النظام الصحي هناك، تخبرنا منظمة اليونيسف في أحد تقاريرها المنشورة حديثًا، بوجود أكثر من 10 ملايين طفل وحوالي 5 ملايين امرأة ممن لا يحصلون على خدمات الرعاية الصحية بالقدر الكافي، وارتفاع نسب وفيّات الحمل بشكل كبير.
وتشير الإحصائيات إلى وجود حوالي 1.3 مليون امرأة حامل أو مرضع و2.2 مليون طفل دون سن الخامسة، بحاجة إلى العلاج من سوء التغذية الحاد، إلى جانب تفشّي الأمراض المعدية مثل الكوليرا والملاريا وشلل الأطفال وغيرها، بالإضافة للأمراض المزمنة ومشاكل الصحة النفسيّة التي يعاني منها أكثر من ثلثي السكان.
وفقًا لتقارير متخصصة، فقد ارتفعت أسعار أصناف الأدوية المستوردة في كل مناطق سيطرة المليشيا الحوثية، بنسبة 100% بسبب فرض جبايات بالدولار الأمريكي على شركات استيراد الأدوية.
وأقدمت هيئة الأدوية التابعة لها على فرض رسوم على شحنات الأدوية المستوردة بالدولار الأمريكي، أو ما يعادله بالريال اليمني بسعر السوق والذي يصل إلى 600 ريال للدولار الواحد، عوضاً عن ما كان يدفع من رسوم بالريال اليمني بعد احتساب سعر الدولار بـ250 ريالًا.
ووفقًا لمتخصصين، لا يقتصر الأمر على وجود المشاكل والتأثيرات السلبية الخارجية، بل هناك بعض الثغرات الداخلية التي تزيد من حدة المشكلة، وتقلل من جودة الخدمات الصحية المقدمة، مثل عدم وجود بيانات دقيقة حول الوضع الصحي للسكان، وضعف الخبرات ونقص المختصّين في الكوادر الطبية وقلة النظافة في المرافق الصحية العامة، وعدم نشر الوعي والثقافة الصحيّة بين السكان.
وعلى الرغم من وصول عدد المستشفيات الحكومية في اليمن إلى "229" مستشفى حسب أحدث التقارير الرسمية، إلا أن نسبة كبيرة من السكان تواجه تحديات في الحصول على الرعاية الصحية.
وفي الوقت الحالي، لا يعمل سوى 50% من المنشآت الصحية بكامل طاقتها، ويواجه أكثر من 80% من السكان تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب وعلى خدمات الرعاية الصحية.
وقال وزير الصحة العامة والسكان اليمنى الدكتور قاسم بحيبح، إن قطاع الصحة في اليمن كان وما زال أكثر القطاعات تأثرا بالحرب والصراعات، وأوضح أن اليمن كبلدان شرق إفريقيا وغيرها تعاني لسنوات من الأمراض المنقولة بالبعوض كالملاريا وحمى الضنك وغيرها.
وفي تصريحات له، أشار إلى أن اليمن قد أعلن عام 2009 خاليا من شلل الأطفال، واستمر خاليا حتى عام 2019 ليعود مجددا نتيجة لتراجع التحصين الروتيني بسبب الحرب والأوضاع الاقتصادية والعوائق التي يضعها الحوثيون في مناطق سيطرتهم ضد حملات التحصين، ما أدى لظهور حالات من شلل الأطفال المتحور، وفي عام (2019 - 2020) ظهرت حالات في بقية المحافظات من التحور الأول والثاني من لقاح شلل الأطفال.
"جسور بوست"، تناقش أسباب مشاكل ملف الصحة لدى اليمن وطرق علاجه.
مستشفيات خارج نطاق الخدمة
بسبب تردي وضع الملف الطبي وانخفاض مستوى الرعاية الصحية، فقد اليمنيون ثقتهم في القطاع الصحي اليمني، ويتجه بعضهم إلى مصر أو الأردن للعلاج، لكن قطاعا كبيرًا منهم استسلموا في منازلهم بانتظار الموت.
علق اليمني علي القيفي على الأمر بقوله، مات أبي بنزيف داخلي ولم نستطع إنقاذه بسبب تردي الأوضاع الطبية في اليمن، لم نستطع نقله من قريتنا بمحافظة ذمار، وسط اليمن، إلى عدن أو أي محافظة قريبة، لذا عندما مرضت زوجتي، قمت بعمل زيارة إلى القاهرة وعالجتها هناك، لم أكن لأضع زوجتي بين يدي الموت وأقف أشاهدها عن قرب، يكفي أن أقرب مستشفى على بعد ساعتين على الأقل ولا تتوافر به إمكانات تؤهله لعلاج المرضى.
وتابع، يقتصر عمل المستشفيات على متابعة الجروح واستقبال الحالات البسيطة، يكفي أن نقول هذه المستشفيات لا توجد بها أجهزة طبية، فكيف لهم إذن إجراء العمليات الصعبة، لا نثق فيها ولا حل سوى السياحة العلاجية، وهذه الأخرى لا يقدر عليها اليمنيون لذا يحاصرنا الموت.
غياب الخدمات الصحية
نزف يومي متكرر في وفيات الأمهات والأطفال نتيجة غياب الخدمات الصحية.
يقول المدير التنفيذي للهيئة العامة للأدوية في اليمن عبدالقادر الباكري، إن نسبة وفيات الحوامل، ارتفعت من 148 حالة وفاة لكل 100 ألف حالة ولادة عام 2013، إلى 385 حالة وفاة، وهو ما يقارب نسبة وفاة أم كل ساعتين، وفق المضواحي.
ويضيف في تصريحات خاصة لـ“جسور بوست”، أن معدل وفيات الأطفال وصل إلى 55 حالة وفاة لكل ألف حالة ولادة لمن هم دون 5 أعوام.
وعزا الباكري ارتفاع النسبة إلى “ضعف التحصين من 12 مرضا من أمراض الطفولة القاتلة، رغم توافر اللقاحات، بينما فاقمت التغذية السيئة وغياب الرضاعة الخالصة من تعرض الأطفال لسوء التغذية الحاد والوخيم”.
لكن المسؤول اليمني يقول إن هذه التحديات لا يمكن الاستجابة لها والتعامل معها إلا في حال وصل البلد إلى استقرار حقيقي، الأمر الذي سينعكس في سهولة وصول المرضى للخدمات الصحية.
وكان المستشفى الجمهوري -الذي يعد واحدا من أكبر مستشفيات مدينة تعز- قد أعلن في مناسبات عدة توقفه عن العمل بسبب نفاد الوقود.
ويوضح الباكري أن كثيرا من النساء والأمهات يتوفين بسبب غياب الرعاية الصحية ومتابعة الحامل منذ شهورها الأولى حتى الولادة الآمنة، وهذا سببه عدم وجود الأطباء المتخصصين.
وأردف، ووفقا لإحصاء أجرته منظمة اليونيسف، فإن أقل من 50% من حالات الولادة في اليمن حاليا تُجرى تحت إشراف متخصصين صحيين.
ويؤكد، الأرقام المرتفعة بوفيات الأطفال والنساء، سببها تضرر القطاع الصحي، خصوصا مناطق النزاع، إذ إن 49% من النظام الصحي لا يعمل بسبب تعرض المنشآت الصحية لتدمير كلي أو جزئي أو بسبب توقفها عن العمل، فعدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية وتوقف الرواتب فاقم من تضرر القطاع الصحي بصورة كبيرة.
ومنذ نهاية عام 2016 يعمل الموظفون بهذا القطاع كبقية الموظفين في القطاع الإداري بمناطق سيطرة الحوثيين دون رواتب.
أدوية قاتلة أو غير متوفرة
القصة بدأت منذ اندلاع الحرب والانقسام في البلاد وغياب مؤسسات الدولة وضعفها، فقد عمدت شركات الأدوية الكبرى إلى احتكار بعض أصناف من الأدوية وتوزيعها لشركات توزيع محلية معينة تعمل على توريدها للسوق السوداء بأسعار مضاعفة تمامًا لسعرها الحقيقي أو لعدم توفيرها للسوق ورفع الطلب عليها، وبالتالي يرتفع معه منسوب السعر، ولكن مَن وراء ذلك؟
القضية شرحها عبدالقادر الباكري، المدير التنفيذي للهيئة العليا في اليمن، بقوله: إن المشكلة تكمن في أن القيادة الحوثية تُحكم قبضتها على سوق الأدوية، وبعد كارثة أطفال السرطان الذين حقنوا بالدواء الفاسد والمزور وذهب ضحيتها عشرات الأطفال في عام 2022، بدأ الحوثيون بتقييد حركة استيراد الأدوية لكنهم لم يوفروا البدائل، وظلوا يعتمدون على الدواء المهرب من قِبل قيادات حوثية تعمل في تجارة تهريب الأدوية بما فيها المزورة.
وتابع الباكري في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، مع استمرار الكارثة لم يعد مرضى السرطان الذين يتجاوزون 70 ألف مريض المهددين الوحيدين من انعدام الأدوية، بل انضم لهم مرضى الدم الوراثي والفشل الكلوي وزراعة الكبد، مؤكدًا أن الأدوية الهرمونية جميعها نفدت من السوق وصارت معدومة، حسب المناشدة التي أطلقها بنك الدواء اليمني.
إيقاف الحرب هو الحل
تقوم اليونيسف وشركاؤها من خلال مزيج من استراتيجيات الاستجابة لحالات الطوارئ بدعم نظام الصحة العام لمنع تعرضه للانهيار التام، كما تقوم متى ما أمكن ذلك بتشغيل النظام الصحي عند مستويات ما قبل النزاع.
ووفقًا لتقارير لليونيسف، فإن الفرق المتنقلة المتكاملة والعاملين الصحيين المجتمعيين والقابلات المجتمعيات، يفحصون الأطفال والنساء للكشف عن سوء التغذية والأمراض والمضاعفات المرتبطة بالحمل وتقديم العلاج كلما كان ذلك ممكناً، أو إحالة الحالات إلى المرافق الصحية.
وقال وكيل بوزارة الصحة اليمنية، أحمد عبدالقادر، إن الشرعية تبذل أقصى ما في وسعها لتفادي انهيار وتأزم الملف الصحي اليمني الذي تسببت فيه الحرب، وأمامنا تحديات خاصة، وإن كثيرا من المعونات التي كانت تصل لليمن انخفضت وبشكل كبير في ظل ما يعانيه العالم الآن.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ“جسور بوست”، يجب أن تكون هناك رقابة دولية على أسواق الدواء لمنع احتكارها من جهات معينة، وكذلك الإشراف على صلاحيتها لتفادي حدوث كوارث صحية تزهق بسببها أرواح اليمنيين، وليس هناك أفضل من إيجاد حل جذري للحرب الدائرة، والسلام حل لا يرغب فيه كثيرون، والهدنة ثبتت غير فعاليتها، ولذا إذا أردنا حلا جذريا للملف الطبي في اليمن، فيجب أن نجد حلًا أولًا للحرب.
وأشار المسؤول اليمني إلى مجهود الشرعية ومحاولاتها المستمرة تدريب بعض الكوادر وتوفير الأدوية، كل على حسب الإمكانات المتاحة.